قال في كشف الغمة المرحوم الاُربلي الجزء الثالث صفحة 3.... : قال لي شقيقُ البَلخي رضي الله عنهم -هكذا في ألنسخة- خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلنا القادسية فبينما أنا انظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفرداً فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كَلاً على الناس في طريقهم، والله لأمضين إليه ولاؤبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق { اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }( ). ثم تركني ومضى، فقلت في نفسي -سبحان الله- إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق باسمي وما هذا إلا عبد صالح، لألحقنه ولاسألنه أن يحللني فأسرعت في أثره أو في أثَره فلم ألحقه وغاب عن عيني. زين. فلما نزلنا واقصة فإذا به يصلي وأعضاءه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي امضي إليه واستحله، فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتلُ -يعني اتلُ قوله تعالى- { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى }( ). ثم تركني ومضى. فقلت إن هذا الفتى لمن الإبدال لقد تكلم عن سري أو على سري مرتين. فلما نزلنا زُبالة أو زِبالة، إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة -كأنما سطل مناسب مع حجم البئر بالاصطلاح- يريد أن يستقي ماءاً فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا انظر إليه فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول: انت ربي -بيت شعر طبعاً-
انت ربي إذا ظمأت إلى الماء وقوتي إذا أردت طعاما
جل جلاله.
اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها. قال شقيق: فوالله -بعد غير الله ماكو، جل جلاله- فوالله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماءها فمد يده واخذ الركوة وملئها ماءاً فتوضى وصلى أربعة ركعات ثم مالَ -يعني ذهب كأنما- ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبَض بيده ويطرحه في الركوة -منو هو هذا- ويحركه ويشرب، فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام . فقلت أطعمني من فضل ما انعم الله عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمةُ الله علينا ظاهرةٌ وباطنة فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة -إشرب بالسطل نفسه طبعاً بعد خو ماكو خاشوگة ولا چمچة- ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سَوِيق وسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحاً فشبعت ورويت وبقيت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً. ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة فرأيتهُ ليلةً -في إحدى الليالي- فرأيته ليلةً إلى جنب قبة الشراب في ذات الليلة قائماً يصلي بخشوع وانين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قامَ فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعاً -يعني سبعاً، يعني سبع طوافات- فتبعته وإذا له حاشية وموالٍ -يعني موالين له، حوله خدم ونحو ذلك- وهو على خلاف ما رأيته بالطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى ؟ فقال: هذا موسى أبن جعفر أبن محمد أبن علي أبن الحسين أبن علي أبن أبي طالب عليهم السلام فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا من هذا السيد.
ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق في أبيات طويلة اقتصرت -ألإربلي في كشف ألغمة يقول فأقتصرت- على ذكرِ بعضها فقال:
سل شقيق البلخي عنه وما
عاين منه وما الذي كان أبصر
قال لما حججت عاينت شخصاً
شاحب اللون ناحل الجسم اسمر
سائرا وحده وليس له زاد
فما زلت دائما أتفكر
توهمت انه يسأل الناس
ولم ادرِ انه الحج الأكبر
ثم عاينته ونحن نزول
دون قيد على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإناء ويشرب
ثم ناديتهُ وعقلي محير
اسقني شربةً فناول منه
فعاينته سَويقا وسكر
فسألت الحجيج من يك هذا
قيل هذا الإمام موسى بن جعفر