إننا تعبدنا بما علمنا به أئمتنا وهو أن الكون الخارجي محرك بأسباب خارجية وعلل موجودة، هي بالدرجة الأولى الملائكة. وهم (قوانين القوانين) حسب ما عبر عنه السيد أبو جعفر . وفي المرتبة التي فوقهم أرواح المعصومين وأنوارهم، فهم أبواب الله وأمناؤه.
فالفكرة التي تقول: إن المعجزة لا توجد إلا لضرورة قد انتفت، فإنه لا دليل عليها.
فإذا كان المطلب كذلك، إذن لا يختلف ما يقع في الخارج بين أن يكون بإدراكنا طبيعياً أو معجزة في كونه بإرادة الله تعالى وتأثير العلل العليا. وقد كنت أقول لبعض طلابي: إن كل شيء يحدث بمعجزة، إلا أننا اعتدنا على بعض الأشياء فحسبناها قوانين طبيعية ولم نعتد على البعض الآخر فحسبناها خرقاً للقوانين.
نعم، الهداية من موارد إمكان المعجزة، ولعلها ألطف مكان لها. ولذا يقوم الأنبياء والأوصياء بمعاجزهم لإثبات صدق مناصبهم هداية للناس. إلا أن بين الهداية وبين المعجزة عموماً من وجه. فقد يكون مورد الهداية بدون معجزة وقد تحدث المعجزة لأمر آخر غير الهداية.
إن قلت: فإن اختفاء الإمام بعد لقائه إنما هو معجزة للحماية لا للهداية.
قلنا: بل للحماية والهداية معاً، لأن هذه الحماية لأجل بقائه إلى حين الظهور وحصول هداية الناس للحق. مضافاً إلى هداية الشخص الذي يراه بنفسه، مضافاً إلى كونها امتحاناً للموالين. وقد ورد: إن أولياءه لا يشكون، ولو علم أن أولياءه يشكون ما غيبه طرفة عين.
فإن قلت: إذن، لماذا لم يستعمل النبي وأمير المؤمنين والحسين والمهدي المعجزة في قتال أعدائهم؟
قلنا: ذلك نظام آخر داخل في نسق التدبير العادل الكامل الذي يدبر الله تعالى به خلقه وكونه، وكثير من فقراته مجهولة لدينا. أو هي من الأسرار التي لا يعرفها إلا خاصة الخلق والراسخون في العلم.
والشيء المعروف لدى خاصة المتشرعة ما قاله في القرآن الكريم: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ). ولأجل ذلك لم يكثر وجود المعجزة، لكي يكون الإيمان ممحصاً، ليصبح مخلصاً. وإلا فالإيمان السهل الساذج لا يكون ممحصاً فلا يكون مخلصاً، فينسد باب التكامل الأعلى.
ومن زاوية أخرى قريبة يمكن أن نقول: إن الأشياء تعرف بأضدادها، فإذا عاش الفرد الإيمان والعدل ورآه طبيعياً ساذجاً لم يعرف نعمة الله عليه. وإنما المهم أن يقارن حسياً بين العدل والظلم والصلاح والفساد ليستطيع أن يقول بإخلاص: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
إذن، فمن الصحيح أن الأصل هو قلة المعجزة، وأن الله تعالى يريد أن يري الناس الأشياء سائرة على الطريق الطبيعي الاعتيادي. فمثلاً إذا أراد الله تعالى استجابة الدعاء أحدث له سبباً لا أنه يستجيب بالمعجزة، وبحسب تعبير السيد أبي جعفرأنها تتميع في الطريق. وبحسب فهمي: إنه يقصد أن الله تعالى يلبسها ثوب القانون الطبيعي وليس شيئاً خارقاً للعادة.
(السيد الشهيد محمد الصدر عليه السلام)